الاثنين، 22 مارس 2010

عين واحدة و''أحَد عشر كوكبا''

 تحدثت ''الخبر'' مؤخراً عن حصول أحدَ عشر باحثاً جزائريا على جائزة البحث العلمي من مؤسسّات أجنبية وتحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وقد كانت نهاية السّنة الماضية وبداية هذا العام اعترافاً بالإبداع الجزائري في الأدب واللغة العربية كذلك، وهو ما يجعل من مؤسّساتنا تلتفت جديّا إلى الاهتمام بالمعرفة وتحويلها إلى ثروة أخرى، كما أن البحث العلمي يعني أيضاً تطوير المعرفة الإنسانية والاجتماعية والتحرّر من الرؤية التقليدية التي تعتقد العلم هو التجريب والعلوم الدقيقة والبيولوجية فقط، فما زلنا في الجزائر نلجأ إلى تحليلات الغربيين فيما يخصّ  تفسيرات الظاهرة الدينية والإرهاب والحرقة والفساد، والمراكز البحثية في مجال العلوم الإنسانية تُنفق أموالاً طائلة وهي تكرّر نظريات الغربيين. وحين الأزمة والحاجة للتفسير تلجأ للمختصين الغربيين، وإذا حاولنا العودة إلى وضع تدريس المعرفة الاجتماعية في بلداننا العربية والجزائر فيمكن ذكر الخصائص التالية:     ـ الميراث التاريخي وطبيعة بنية تفكير المشرفين على البرامج والكتب المتعلقة بتدريس العلوم الاجتماعية والإنسانية، إذ أن بعضها تطغى عليه النزعة الإمبريقية ـ التجريبية الأنجلوسكسونية ـ في الفلسفة مثلا ـ كما هو الحال في مصر- وآخر مخلص للنزعة الديكارتية العقلانية الفرنسية مثل بلدان المغرب العربي، وإلى حدّ ما سوريا ولبنان، ورغم هذا التوصيف العام فهناك تفاوت في البلدان العربية، إذ أن هناك تطورات حاصلة في المغرب وتونس مثلا. والتجارب التي خاضتها بعض الدول الخليجية في تدريس الفلسفة كالكويت لا تخرج عن تأثيرات المشرفين المصريين الأنجلوسكسونيين، وإنشاء مراكز البحث الخليجية يرتبط جلّها بالمسألة الأمنية وأخطار المستقبل مثل قضايا الماء والإرهاب وإسرائيل وإيران وتركيا.  ـ هناك اليوم سعي من مفكرين ومختصين من الغرب في الفلسفة والعلوم الاجتماعية للتوجه مستقبلا نحو ''الفلسفة التطبيقية'' وهي جزء من الفلسفة العملية وتتعلق بقضايا الأخلاق والقيم والتواصل والحوار ...إلخ ومن فروعها ما يسمى البويتيكا وهي دراسة الآثار الأخلاقية والقيمية لتطورات البيولوجيا، والفلسفة التطبيقية ظهرت في الخمسينات والستينات في الدول الأنجلوسكسونية، وهي فلسفة ترى ضرورة تطوير نظرية نظامية للحقوق الطبيعية لتنظيم الأفعال الإنسانية، ويمكننا هنا أن نستثمر تراثنا العربي الإسلامي حول الحياة والحرية وحقوق الناس ونوازل الفقهاء كالإجهاض. ويتفرع عن هذه المعرفة أخلاقيات الأعمال والمحترفين والعلاقات الاقتصادية والإعلام، ومن الموضوعات التي ستجلب الانتباه في هذا القرن- حسب بعض الإستشرافيين- أخطار الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية وتأثير الأمراض المُعدية غير المعروفة حتى اليوم والقضايا النظرية المتعلقة بها معنى الحياة والوفاة والحرية والمسؤولية.
ـ يرى معظم المختصين أن تدريس الفلسفة وبعض العلوم الاجتماعية في البلدان العربية كان اجترارا وتقلا لأفكار الغير، خصوصا منذ الثلاثين سنة الماضية، ولم يكن هناك إبداع حقيقي إذا ما استثنينا بعض الإبداعات الفردية وفرق عمل مثل ما هو عليه الحال في المغرب، إذ كان هناك تميز تمثّل في ظهور مفكرين من طراز محمد عابد الجابري ولو أن منتقديه يرونه مطبقا بصورة آلية لمنهجية غربية من أجل تبريرها وإعطائها الصورة العلمية المنهجية، ومن هنا لا يختلف عن الماركسيين العرب السابقين الذين حاولوا تطبيق المادية الجدلية على التراث العربي الإسلامي، بمعنى أننا حتى في حالة الإبداع نبدع للغير أكثر مما نبدع لأنفسنا. وإن اشتداد التطرف والدعوات الجهادية واستبداد الأنظمة وعنف العولمة واحتلال أراضينا، كلّ ذلك يجعلنا نتأكد أن برامجنا المدرسية ما زال أمامها الطريق الطويل لخلق ناشئة تقدّم أطراً فكرية وعملية لواقعنا، وصدّق الله رؤيا يوسف لأنه رأى أيضا إلى جانب أحد عشر كوكبا الشمس والقمر ساجدين له.

المصدر :بومدين بوزيد 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جزائري أنا .. أنا جزائري © 2008 | تصميم وتطوير حسن