الخميس، 17 ديسمبر 2009

هل يصلح العقل ما أفسدته الأقدام؟

 منذ أن انتصرت الكرة على عقولنا العربية وأنا أعاني السكتة التعبيرية، فبين هزيمة ونصر كانت الفاجعة، كيف أصف إحساسي الجزائري على أرض الكنانة أثناء اندلاع فتنة مسعورة مجهولة الأسباب الحقيقية، فتنة متلبسة بالقدم فاقت كل التصورات وأخرجت شعبين عريقين عن طورهما وأنستهما في دقائق رابطة دم محفور في لوح التاريخ.
احتلني ألم عظيم وشعرت وقتها بأماكن القاهرة على رحابتها تطبق على أنفاسي، حتى النيل، صديق غربتي وأسراري تغيّر لونه، بدا مكفهرا وغاضبا من جزائريتي ويشى باقتراب الطوفان.
حاولت أن أتعامل مع الخيبة، ففي البدء أخفيت هويتي الجزائري عن عيون العابرين، فما أصعب في لحظات أن تتحول جزائريتك إلى شبهة في بلاد الأمن والأمان، اجتاحتني بعدها لوثة سخرية سوداء فللجرح لحظاته الكوميدية أو ليس ''شر البلية ما يضحك'' فغدوت أبحث عن جزائريتي في عراقية وفلسطينية ويمنية ومصرية، صديقاتي وأصدقائي الذين عبثا حاولوا ترميم انكساري الأكبر، واكتشفت رغم هذا الحب الجميل والفضل الكبير، أن للجرح لهجته وهويته وجغرافيته، وبدأت أحلل شفراته بين أنامل جزائرية متناثرة هنا وهناك على أرض الكنانة.
كان التليفون لا يتوقف عن الدعم الرائع من الأهل والأصدقاء من الجزائر والعالم العربي وداخل مصر وأوروبا، فأصابتني نشوة غريبة لم أحظ بها وأنا الكاتبة فقدري الجزائري أهداني دورا بطوليا في ملحمة القدم، حيث تذوقت لوثة الأضواء من ضجيج فتنة وليس من فروسية فلم أعاقره لسنوات.
أستعيد في هذه اللحظات بعد هدأة النفس ما تحمّلته جزائريتي من أعباء، وأتذكر موقفا حدث لي في اليوم التالي لمباراة كرة القدم بين الجزائر ومصر في الخرطوم، حيث دعتني صديقة مصرية إلى مطعم اعتدنا الذهاب إليه لتزيل عني عبء فرحة فوز غارق في الجرح وأضحى وصمة، ذهبنا وجاءنا صاحب المطعم على غير عادته مهنئا بفوز الفريق الجزائري، رددت عليه بدهشة واقتضاب، تراجع قليلا وضحك مهللا (مش حقول أنك جزائرية) وماهي إلا لحظات حتى تلغم المكان بعيون تغير على جزائريتي بغضب أنتجته حملة إعلامية شرسة غذت غضبا مصريا عجيبا، فانفجرت الشفاه المحمومة بالشتائم وبالألفاظ النابية التي تقشعر لها الأبدان، مزقت جزائريتي رويدا رويدا فالتزمت الصمت، فكيف أصد كلاما نرجسيا لا يسمع إلا ذاته الثائرة على كل ما هو جزائري وقتها؟ كان علي أن أنسحب فالإنسحاب حكمة في مثل هذه المحنة، مقررة أن أقاطع ذلك المكان الذي حاول وأد جزائريتي.
لم تكن تهمني الكرة يوما وبعدما أضحت عبارة عن عصابة مستديرة تغتال التعقل والبصيرة فلن تعنيني أبدا، كان سؤالا الأوحد؛ كيف نرقع ما تمزق من عروبتنا المعطوبة المثقلة بالأورام الخبيثة وبقضايانا الهامة المعلقة والتي تجاهلناها عقودا؟ أم هل نترك هذه العروبة وشأنها لأننا أصبحنا أصغر منها أو نعيدها إلى مخادع التنظير أو ندفنها في مصطلح فقد صلاحية استعماله؟
أعترف أن وجعي الجزائري بلغ أوجه فالجزائر دمي ومصر أعتبرها كرياتي الحبرية، فمنذ أحداث انتفاضة القدم، وأنا أحاول أن أستعيد توازني فهنيئا لك أيتها الكرة الملغمة بالنوايا غير البيضاء حولت شعبين شقيقين إلى جرحين، فنحن الآن غرقان، فجيعتان، مرارتان، هل يصلح العقل ما أفسدته الأقدام؟

المصدر :ندى مهري ـ كاتبة جزائرية مقيمة بالقاهرة

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جزائري أنا .. أنا جزائري © 2008 | تصميم وتطوير حسن