الأحد، 23 مايو 2010

الاعتراف والاعتذار ؟

صرنا نسمع في الآونة الأخيرة تكرار كلمة الاعتراف والاعتذار، سواء بالنسبة إلى الأزمة بين الجزائر ومصر، الأزمة التي كان من المفروض ألا تكون بين البلدين، ولأسباب تافهة مثل الكرة، أو  بالنسبة للعلاقة بين فرنسا والجزائر، التي لم تعرف طوال تاريخها الأسود أيام صحو، أو انفراج حقيقي، حتى بعد الزيارات التاريخية التي تمت بين رؤساء البلدين.

 فرغم  الحفاوة التي استقبل بها جاك شيراك سنة 2003 بالجزائر، واستقباله ومصافحته من قبل السيدة ظريف وياسف سعدي، رمزا الجهاد في معركة القصبة، إلا أن الصفحة لم تقلب، وها هي العلاقة تتأزم من جديد، بعودة اليمين الى السلطة، وبعودة الحديث عن الماضي  المجيد للنظام الاستعماري هناك، وعن تجريم الاستعمار هنا.

نعم، نسمع كثيرا عبارة اعتراف، اعتذار وتعويض، وكأننا بهذا سنطوي أسود صفحة في تاريخ العلاقات الإنسانية، ففكرة الاعتراف بهذا المنطق نابعة من فلسفة مسيحية غربية، طبقتها ألمانيا مع اليهود في قضية المحرقة، وطبقتها الصين مع كوريا، وإيطاليا مع ليبيا، وتريد الجزائر اليوم تطبيقها مع فرنسا، رغم المراوغة القذرة التي تمارسها فرنسا أمام الملف الجزائري، مع أن فرنسا هي من تحرك ملف تجريم تركيا على ما اقترفته الدولة العثمانية في حق الأرمن، ورغم تشتت الصفوف هنا.

فهل من حقنا كشعب، حتى وإن عانينا ومازلنا نعاني من  آثار الاستعمار النفسية والثقافية والاقتصادية، من حقنا أن نقبل  بطي الملف بهذه الطريقة، ونختصر قرونا من الآلام والتدمير لثقافات شعوب وهويتها، في ثلاث كلمات بسيطة، ثلاث كلمات فقط تمحي كل ما ألحق بشعوب كاملة من تنكيل وتقتيل وإذلال.

أليس الاستعمار أكبر جرم عرفه تاريخ الإنسانية، مجموعة من دول أوربا التي أغرتها ثرواتها المتراكمة بفضل الثورة الصناعية، تجتمع وتقرر اقتسام العالم فيما بينها، غير عابئة بمصير شعوبه وثقافاتهم.

وهل من حقنا هنا في الجزائر، أو  هناك في كوريا،  أو في بن غازي، أو كالكوتا، أن نطالب بطي الصفحة هكذا ؟ 
فهذا التاريخ المؤلم ليس ملكنا وحدنا، هو ملك للإنسانية كلها، فكيف نهرول لطلب العفو من باريس، وهذه جزء من نظام استعماري شامل  دمر الهند، وشعوب أمريكا اللاتينية، مثلما استعبد الأفارقة وجعلهم في مرتبة البهائم ؟
 فالتجريم مثل الاعتذار لابد أن يشمل كل  المرحلة التاريخية التي هي من أسوإ ما عرفت الإنسانية، أن يكون الاعتذار من ورثة الأمم الاستعمارية، ليس على جرائم منعزلة مثلما تريد فرنسا اليوم، الاعتراف بجرائمها النووية، الاعتذار والتعويض، وكأننا مازلنا تابعين لها، وعلى أي أساس يتحدد التعويض، فالاستعمار ليس أحداث 8 ماي، أو مجازر قبائل أولاد الرياح، أو نفي قبيلة الحداد والمقراني، أو تدمير الحياة
بأدغال إفريقيا وبمجتمعات الهنود الحمر بأمريكا، الاستعمار هو كل هذا على بعضه، ثقافات دمرت، وشعوب أهينت، والاعتراف لابد أن يكون بالحجم التاريخي والجغرافي للجريمة.. ولن يكون مهمتنا وحدنا.

حدة حزام - الفجر

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جزائري أنا .. أنا جزائري © 2008 | تصميم وتطوير حسن